الاحتراق الوظيفي

الاحتراق الوظيفي! الجانب المظلم من كونك طبيباً

 

هنا ٣ أشياء كانت أدت إلى دخولي الأوقات السيئة و الاحتراق الوظيفي:

١– الاحتراق الوظيفي وفقدان التحكم

لقد فقدت التحكم في معظم الأيام، لقد عملت في أحد المستشفيات وكنت مناوباً ٢٤ ساعة، ١٢ يوم من ١٤ يوم. لم تكن هناك إجازة نهاية الأسبوع، عندما كنت أستعد للاختبارات النهائية لتخصصي الجراحي كنت أقوم بالاستعداد والدراسة من الساعة السادسة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً في كل يوم، كنت أرى عائلتي في نهاية الأسبوع على الغداء فقط. كنت أعمل في مسشفى يتبع له ٤ مستشفيات في المدينة، وكنت أسير مايقارب ٥٠٠كلم بين هذه المستشفيات.

في أحد المستشفيات لم أستطع الوصول للبيت واضطررت للنوم في العيادات الخارجية، المستشفى وفي السيارة. اعتدت على وجود سرير متنقل في سيارتي لحالات الطوارئ، فرشة الأسنان والمعجون والصابون جميعها كانت متواجدة في السيارة!

الخطط تتغير بشكل سريع في العمل الجراحي وذلك لوجود الحالات الطارئة، لا أعلم ماذا سيحدث في الساعة القادمة عندما أكون مناوباً.

ربما تتسائل لماذا لا تعمل بعدد ساعات أقل؟ ليس بهذه السهولة!

عندما أقرر بالعمل لساعات أقل من سيقوم بتغطية بقية المستشفيات؟ إذا كان المستشفى لا يقوم بتوظيف العدد المناسب من الأطباء لا نستطيع ترك المرضى بدون أطباء!

أتقبل أن وظيفتي تكون بهذه الصعوبة، والمناوبات بتلك القوة، الأثر النفسي لهذه المناوبات عادة مايكون محتملاً

ليس هذا فقط.. فقدنا التحكم بالرعاية الصحية بشكل عام، في كل يوم هناك دواء جديد يخترع، هناك تعميم جديد، هناك أنظمة وبروتوكولات جديدة.. بروتوكولات تملئ على الاطباء كيفية عملهم وماذا يجب أن يعمل وأن لا يعمل!

بعض هذه الأنظمة والبروتوكولات كتبت بواسطة أشخاص لا يقابلون المرضى!

٢– الاحتراق الوظيفي وفقدان الدعم

تخيل معي: أن أبدأ يومي في الساعة السادسة صباحاً، أبدأ يومي بفحص بريدي الالكتروني لأجد بريد من الادارة بعدد التقارير الطبية التي لم أقم باكمالها، بالاضافة إلى الاختبارات المرهقة التي علي أن أجتازها (مثل غسيل اليد، خصوصية المرضى وغيرها).

الجولة على المرضى تبداً في الساعة السابعة صباحاً أرى مابين ١٥٢٠ مريضاً وجميعهم لديهم أوراق يجب توقيعها، تقارير يجب اعتمادها وأدوية علي ادخالها في الكمبيوتر.. الكمبيوتر الذي يأخذ جزءاً كبيراً من وقتي من الدخول الطويل، بدون حسابه في وقت الطبيب مع المريض!

بعد ذلك أذهب إلى غرفة العمليات في الساعة الثامنة صباحاً لأجد ٧ حالات في غرفة العمليات. المريض الأول لم يحضر بطاقته، المريض الثاني السكر لديه مرتفع وعلي ضبطه!

الثالث طفل يجهش بكاءً خائفاً من العملية، الرابع طفل يعاني من التوحد ويقوم بالهروب.. الكمبيوتر لازال لايعمل حتى الآن.. كلمة المرور انتهت صلاحيتها!

أقوم باجراء العملية الأولى والتي تأخذ مني مايقارب ١٤ دقيقة لانجازها، طبيب التخدير يسألني متى ستنتهي؟ الممرضات يريدون الانتهاء من الحالة.. الـ ١٤ دقيقة هي وقت العملية الفعلي ولكن من يحتسب الوقت اللازم لإجراء هذه الـ ١٤ دقيقه؟ بعد الانتهاء من العملية علي إدخال أدوية المريض، تقرير العملية، الإجازة، التقارير، نقل المريض للعناية المركزة.. والعديد من عمليات الكمبيوتر التي تستنزف الوقت والجهد!

في أثناء هذا الوقت علي الرد على ١٢ مكالمة من الطوارئ، أجنحة التنويم والوحدات الأخرى.

في هذا الوقت ٣ مرضى بانتظاري في غرفة الطوارئ، ومريض في الجناح، انتهيت من العمليات متأخراً وذهبت مسرعاً إلى الطوارئ.. انتهيت وأخذت كوباً من القهوة سريعة التحضير ثم توجهت مسرعاً ومتأخراً إلى العيادات الخارجية للحاق بعيادة بعد الظهر.. وصلت متأخراً عدد المرضى بالانتظار يزيد على طاقته الاستيعابيه.. الممرضات غير سعيدات بهذا العدد.. أقوم برؤية ٨١٠ مرضى وأنا أرد على مكالمات الطوارئ، أقوم بمناقشة مرضى العيادة حول العملية الجراحية وخطواتها تفصيلياً.. ولكن هذه المناقشة كثيراً مايتم مقاطعتها بمكالمات الطوارئ أو أدوية المريض السابق لم يتم إدخالها في الكمبيوتر.

في نهاية العيادة أعود مسرعاً إلى غرفة العمليات وذلك لوجود حالة طارئة.. في هذا الوقت أنا معرض للخطأ بشكل كبير.. أنا مرهق، لدي العديد من المهام لإنجازها، لم أأكل!

بعد الانتهاء من العملية الطارئة أقوم بالرد على المزيد من المكالمات ورؤية الحالات والاستشارات التي وصلتني صباحاً.. في الساعة ٦ مساءاً أكون قد انتهيت من عمل الجولة الصباحية، اجراء ٨ عمليات، رؤية ٤ مرضى في غرفة الطوارئ، رؤية الاستشارات في الأجنحة.

أصل بيتي في الساعه ٨ ليلاً أقوم باعداد الوجبة اليومية الوحيدة لتعويضي عن الغداء والعشاء، وبعد الانتهاء من العشاء تصلني مكالمة أخرى للعودة إلى المستشفى لوجود حالة في الطوارئ تحتاج إلى تدخل جراحي عاجل، أعود للبيت في منتصف الليل.. للرد على بعض المكالمات حتى الساعة السادسة صباحاً.

السادسة صباحاً من اليوم التالي: إعادة ماحصل في اليوم السابق!

فقدت التحكم وفقدت الدعم في معظم أيامي، متى يمكنني الحصول على الدعم؟

لا وقت لدي للحديث مع الزملاء حول الحياة. لا وقت لدي للعائلة ولا للأصدقاء!

العلاقات الاجتماعية تنتهي بمجرد دخولك كلية الطب.. تخلفت عن حضور معظم المناسبات الاجتماعية (أعياد ميلاد، زواج.. وغيرها)

قمت بتوليد زوجتي بيدي لأن طبيب النساء والولادة كان متأخراً بسبب الزحام. وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى العمل لإجراء المزيد من العمليات الجراحية.

أعرف أين يمكنني الحصول على المساعدة. ولكن عملياً كيف ومتى يمكنني الحصول عليها؟

٣– الاحتراق الوظيفي وفقدان المعنى

بشكل غريب.. جميع المؤثرات النفسية والضغوطات العملية التي ذكرتها بالأعلى استطعت التحكم بها والكثير من الجراحين استطاعو التحكم بها.

العمل الطبي تغير كثيراً..  لا أعلم كيف يمكن للأطباء الجدد تحمل هذه الضغوطات؟ المعنى من العمل الطبي أصبح مراقباً، متعباً، يخضع للأنظمة والبروتوكولات.. الأطباء أصبحو نتاج أعمال إدارية وتجارية!

في كل سنة.. عدد المرضى في العيادة اليومية أصبح بازدياد، عدد الأوراق لكل مريض أصبحت تتضاعف.. العمل الطبي أصبح يدار بشكل غير طبي في كثير من الأوقات.

ذهبت إلى كلية الطب بكامل المعرفة حول الضغوطات، والأشياء التي يجب علي التخلي عنها في سبيل علاج المرضى، ولكن في يومنا هذا أدركت أن الطبيب أحد الادوات العديدة في إدارة المستشفى.. لم تصبح العلاقة بين الطبيب والمريض مقدسة.. أصبحت العلاقة تجارية، كم مريض يمكنك رؤيته في العياده؟ كم عمليه تستطيع إجراءها؟ أصبح الاهتمام بالكم أكثر بكثير من الكيف.

في أحد السنوات، كوني جراح أقضي معظم وقتي في المستشفى مبتسماً في الطريق، مبتسماً وممتناً لعملي.

الأيام الطويلة عادة ماتكون مكافئتها عالية على نفسي وسعادتي بدعاء المرضى ورؤيتهم يغادرون المستشفى..

في السنة التي تليها وفي مستشفى آخر.. أكره أن أكون مناوباً، أذهب إلى العمل متثاقلاً خطواتي، عانيت من الاحتراق الوظيفي والنفسي، كنت انساناً تحمل مافوق طاقته وجاهزاً لعمل الأخطاء بسبب الظروف التي لحقت بي.. أنا نفس الطبيب ولكن في بيئة عمل أخرى.

لبعض المستشفيات.. أنا لست جراحاً ولا طبيباً، أنا موظف في المؤسسة.. يمكن تغييري في أي وقت، موظف يستطيع تحمل أكبر من طاقته.

للأسف.. المعنى السامي لكونك طبيب تم اختناقه من قبل إدارة المستشفيات!

المصدر – Source

إشتراك
نبّهني عن

1 تعليق
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتاً
Inline Feedbacks
View all comments
هوا
2 سنوات

يا شباب هل الوضع ازمة حقاً ام ان هناك مبالغة ان كان حقيقي فهذا يعني انه يجب ان نبدأ باستخدام عقولنا العزيزة ونجد وسيلة لاحداث تحسين في الوضع الراهن اما هكذا فالعيد قريب ولو كان عيد الفطر قريب الان لكن تعلمون اي عيد اتحدث عنه

 
Send this to a friend