خواطر حول التميز في سنة الامتياز !

خواطر حول التميز في سنة الامتياز!

Building you rapport as ”the best intern ever!”

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله أوقاتكم جميعا ..

زملائي حديثي الانتهاء من كلية الطب مقبلون على مرحلة مهمة، وهي سنة الامتياز..
سنة الامتياز أجمل سنوات ما قبل التخرج -في نظري- بلا منازع بما فيها من ميزات وعيوب، وستجدون أنفسكم تشعرون بشعور الطبيب الحقيقي، رعايةً للمرضى ومشاركةً في علاجهم.
غير أن  من أهم صفاتها كثرة تنقل طبيب الامتياز بين الفرق الطبية من مختلف التخصصات ، بما لا يتيح مجالا واسعا للاستقرار النفسي والذهني، فضلا عن التميز وإظهار القدرات وإقناع الفريق الطبي بتميزه..

فاسمحوا لي أن أشارككم بضع أمور، وأنا حديث تجربة، حاضر الذهن بما عايشته، خال الذهن من غيرها من تجارب الرزدنسي..
وأصدقكم القول، فلست من أميز زملائي معرفيا ولا مهاريا، لكني وجدت في هذه الأمور بعد تجربتها تأثيرا كبيرا في ردات فعل من هم حولي ، وعندما ناقشتها مع بعض الزملاء وجدتهم يوافقون على كثير منها.

وأكثرها نصائح حصلتها من والدي أطال الله عمره في طاعته وأبقاه ذخرا، أو كلمات ألقاها إلي زملائي وإخوتي ممن سبقني في التدريب، في مواقف متفرقة، أو معلومات ونصائح سمعتها في حديث عابر أو قرأتها في سطور كتاب أو بحث.
فلعل فيها فائدة وإنارة فكر لمن أراد.. وتسلية ومتعة لمن هم أخبر مني وأعلم بهذا المجال ..

بداية، حتى نتفهم مرحلة الامتياز، علينا أن نعي المجتمع المحيط بطبيب الامتياز وكيف هو في تراتيبه العملية، إذ هو في هذه المرحلة يخالط خمسة أصناف من الناس:
١- الاستشاريون (Attendings/Consultants) وهم عادة قادة الفريق الطبي وأكثرهم خبرة وتخصصا. وهم المسؤولون عادة عن التقييم النهائي لأعضاء الفريق كافة بمن فيهم أطباء الامتياز.
٢- الأطباء المتدربون (Residents/Fellows) وهم أكثر من يخالطهم ويعتبرون مرجعه الأساس في الفريق.
٣- الزملاء من أطباء الامتياز وهم أقرانه وفِي نفس مستواه ويشاركونه مهاما مشابهة.
٤- أعضاء الفريق الطبي من غير الأطباء (Nurses/technician/secretaries)
٥- المرضى ومرافقوهم سواء كانوا منومين في الأجنحة أو زائرين للعيادة أو للطوارئ.

أما بين الأربعة الأوائل، فطبيب الامتياز يعتبر من بينهم الأقل خبرة، والأكثر عرضة للخطأ، والأقل قيمة مهنية ونفسية للفريق الطبي إذ هو عابر سبيل سرعان ما تنقضي أسابيعه المحدودة ويرحل.

لذا، فالصورة الذهنية لدى الغالب أن عليه أن يبذل أضعاف ما يبذله غيره ليتميز بينهم. غير أن الواقع يشهد أن بذل الجهد -وإن كان مطلوبا، إذ لا يتميز كسول- لكنه لا يتناسب طرديا والتميز، بل أكثر المتميزين في هذه السنة ممن تكون جهودهم المبذولة في حدود المعقول، لكنهم يعملون بذكاء، ويفهمون متطلبات الفريق الطبي، بل ويجاوزون ذلك إلى صنع علاقات ودية طويلة الأمد مع أعضاء الفريق. هذه القاعدة المهمة هي أساسٌ ومرجعٌ لكل ما ستقرؤه بعدُ في هذا المقال، وما المقال في سطوره التالية إلا محاولة لإيجاد طريقة عملية مبسطة لتطبيقها.

أما الصنف الخامس وهم المريض ومرافقوه، فهم غالبا لا يهتمون لتفاصيل رتب الفريق الطبي ممن هم دون الاستشاري، فكلهم راحل والطبيب الحقيقي هو الاستشاري فقط، إلا إن أظهر هذا الطبيب اهتماما واضحا ومشاعر صادقة ورأيا سديدا.

وسأتحدث عن هذه العلاقات الخمس بشيء من التفصيل، كل واحدة على حدة.

أما عن علاقة طبيب الامتياز بالاستشاري، فيكتنفها بعض من التحديات التي لا توجد مع الأصناف الأربعة الأخرى؛ أولاها قلة تواجد الاستشاريين مع الفريق الطبي مقارنة بالأطباء المتدربين مما يَحُد من فرصة الاحتكاك بهم وإظهار المهارات والقدرات لهم. وثانيها اختلاف طبائع الاستشاريين وطريقة حكمهم على طبيب الامتياز، فالاستشاريون بشر يختلفون في اهتماماتهم وأساليبهم وأحكامهم، فبعضهم يهتم بما لديه من المعلومات، وبعضهم يهتم بمدى معرفته بالمرضى ، وهناك بالطبع من لا يلقون للامتياز بالا..
غير أني وجدت من تجربتي وتجارب زملائي بأن هناك أمورا محددة ستجعلك مقنعا لأكثرهم مهما تغيرت طباعهم واهتماماتهم :
١- التواجد الدائم وقت مرور الفريق على المرضى (الراوند Rounds) و العيادة قبل حضور الاستشاري … مع الجاهزية والحضور الذهني، والمظهر اللائق (الملابس ، الشعر -خصوصا للزملاء- ، الأظافر-خصوصا للزميلات- ، كلها تعطي انطباعا أوليا عنك فاهتم/ي بها)
٢- حينما يوكل إليك أمر الاهتمام بمريض من المرضى احرص/ي على معرفته أفضل ما يكون، بل أفضل من الأطباء المتدربين المتواجدين في الفريق. لا تنس أن اهتمام الأطباء المتدربين بعدد كبير من المرضى مقارنة بطبيب الامتياز يعطيك ميزة عنهم في القدرة على معرفة تفاصيل المريض خصوصا ما يتعلق بتاريخه المرضي وأدويته خارج المستشفى (هذين الأمرين كثيرا ما يُسأل عنها طبيب الامتياز ويُلجأ إليه فيها، وقليل من يكون حاضر الجواب، وكاتب هذه الأسطر من الذين ما اهتموا لهذا الأمر وأدركوه إلا متأخرا🤣)
٣- من أفضل ما يمكن أن يراه الاستشاري من طبيب الامتياز، أن تكون بينه وبين المريض علاقة جيدة، أفضل من علاقة الأطباء المتدربين به، فمشاعر المريض وأفكاره نادرا ما يبوح بها إلا لمن يهتم به جدا من الفريق الطبي ويكون معه بشكل مستمر، وهذه لا تتهيأ غالبا إلا لطبيب الامتياز. اهتمامك وإخبارك بمشاعر وأفكار المريض التي قد يغفل عنها الفريق الطبي وقت الراوند كمدى اقتناعه بالخطة العلاجية، الأشياء التي يريدها ولَم يخبر بها ، الأمور والأفكار التي تخيفه ، حالته النفسية… معرفتك بهذه الأمور كلها تعطي مؤشرات كبيرة عن اهتمامك بمريضك وتجعل منك عضوا فاعلا في الفريق.
٤- خلال “الراوند” لا تتنازل أبدا عن أن تكون/ي الشخص الذي يقدم حالة المريض ويناقشها مع الفريق. تذكر/ي أنك أكثر الموجودين معرفة بالمريض وحالته، كما أنها أحد الفرص القلائل لتظهر فيها بمظهر متميز ولائق.
وهنا أستغل الفرصة لأذكر عدة تنبيهات حول تقديم الحالات:

  • حاول/ي أن تكون مرتبا أثناء تقديم الحالة
  • تعريف مختصر وسريع بالمريض وسبب تنويمه أو مراجعته، وعود نفسك أن تستخدم اسم المريض لا رقم سريره أو ملفه، أو تشخيصه، فهذا يظهر احترامك للمريض وإنسانيتك تجاهه وتقديرك له بشكل أكبر.
  • وضعه الحالي ومدى استقرار علاماته الحيوية، وإن كانت لديه أي شكاوى.
  • فحصك للمريض:
    • عود نفسك أن لا تحضر للراوند إلا بعد أن قابلت مرضاك وفحصتهم بنفسك، وإن لم تكن فعلت لأي سبب كتأخرك، أو ذهاب المريض لأي إجراء، أو رفضه للفحص، فبين ذلك بوضوح وصراحة.
    • اعرف ما يحتاجه الفريق في الراوند اليومي، ففحص مريض في قسم الجراحة يختلف عن فحص مريض بالقلب، وفحص مريض في الجناح غير فحصه في مكان مزدحم ووقت ضيق كالعيادة. كن ذكيا!
  • اذكر أهم المشاكل (Problem list) وفِي أي مرحلة من العلاج هُو. وهذه جزئية مهمة، خصوصا للمرضى ذوي المشاكل والأمراض المتعددة، وستجد أهمية هذا الجزء جليا في دورات الباطنة Internal Medicine والأطفال، حيث يختلف المرضى عن أولئك المنومين في أقسام الجراحة؛ إذ تركيز الفريق الجراحي يكون غالبا نحو مشكلة محددة، بينما الفريق الباطني ينظر للمريض بشمولية أكثر.
  • انطباعك العام عن حالة المريض Assesment : هذه مهمة جدا ويغفلها أو يخاف من التعبير عنها كثير من أطباء الامتياز، غير أنها من أهم الأمور التي تبين قدرته على التفكير المنطقي والتحليلي، وتطوره في فهم حالة المريض واقتراح الخطوات التالية، والجميل في هذه الجزئية أنك ستلحظ على نفسك تغيرا وتطورا مع مرور الأشهر في انطباعاتك وآلية تعبيرك عنها.
  • إن كان لديك أي اقتراح تراه في نظرك جيدا فإياك وإخفاءه -وسأتحدث عن هذا في نقطة لاحقة.
  • الخلاصة: ليكن هدفك أن تقدم الحالة بطريقة لا يُحتاج بعدها للرجوع للطبيب المتدرب المسؤول عنها! واستشف الطريقة المناسبة خلال أول أسبوع من دورتك في التخصص وأظهر قدرتك على استيعاب هذه الطريقة واحتياجات الفريق من المعلومات، وطرحها بطريقة ذكية ومختصرة مفيدة.


٥- كن ذا خلق حسن، وعلاقات طيبة مع من حولك، كن زميلا وصديقا وأخا للجميع، تغافل عن الأخطاء التي تصدر من غيرك واعتذر عن أخطائك. وتذكر أن كسب الأشخاص -في غالب الأحيان- أولى من كسب المواقف!

  • توقع النقد وتقبله، فأنت ما تزال في أول الطريق، والخطأ وارد، ولا شيء أسوأ من مبتدئ مكابر!
  • صحح أخطاءك وكن حريصا أن يبدو منك ذلك للفريق الطبي، ولا شيء في العمل أهم من انطباع أولي جيد غير إظهار التطور والتحسن. Nothing better than a good first impression than showing improvement and progress.


٦- شارك بأفكارك! بعض أطباء الامتياز يعيشون مع الفريق حياة غير فاعلة Passive ، يقوم بما يطلب منه ولا يضيف أي شيء. فهو يعتبر نفسه أشبه بجهاز ترسل إليه الأوامر ويقوم بتنفيذها. وإن كان مثل هذا يُنهي فترة الامتياز غالبا دون مشاكل، غير أنه نادرا ما يتميز ويشار إليه بالبنان وسرعان ما يخفت من الأذهان كما كان حضوره خافتا. كن إضافة جميلة للفريق، واستفد من خبراتك السابقة في دورات أخرى، وإن كانت لديك أفكار واقتراحات فأدلِ بها وعبر عنها، ولا يحبسك الخجل!
* من ذلك، إذا نوقشت نقطة معينة، ولَم يكن لها إجابة واضحة أو أشار قائد الفريق إلى بحثها دون تحديد شخص معين، فلا بأس بأن تراجعها ولو بطريقة مختصرة وتحضر ما حصلته من أفكار بعد يوم أو يومين.


٧- “جبت العيد! وش أسوي؟؟”

  • لتكن روحك رياضية في الاعتراف بالخطأ، وإبداء الندم، والاستعداد لتصحيحه.
  • لا تكرره.
  • ابذل المزيد لإظهار صورة مختلفة عنك.
  • مهم جدا أن نعرف بأن الخطأ بشكل عام وارد ومتوقع ومقبول. غير المقبول هو الإهمال، أو القيام بإجراء تدخل أو التحدث للمريض دون مراجعة وموافقة أعضاء الفريق المسؤولين عن رعايته.
  • في حال كان العتب شديدا، بما لا تراه يتوافق مع الخطأ، فإياك وردات الفعل الطائشة… استمع … وأعدّ ردا لطيفا بالأدلة والبيانات … ثم توجه لمن عاتبك ببيان موقفك بهدوء وروية.

هذه نقاط سبع أخالها مهمة في العمل، وإثبات النفس لدى الفريق بشكل عام، والاستشاري المسؤول بشكل خاص.
وأكثرها مشترك بين الأصناف الخمسة التي ذكرتها لكني آثرت التنبيه عليها هنا لأنه لا يمكن بحال فصل علاقة طبيب الامتياز بأي نوع محدد من أعضاء الفريق الطبي عن الآخرين.

وسأحرص على عدم التكرار فيما تبقى من الحديث، بل سأضيف على نقاطا مخصوصة لكل جزء حرصا على الاختصار.

 

الصنف الثاني من الأشخاص الذين يتعامل معهم طبيب الامتياز هم الأطباء المتدربون بشقيهم أطباء زمالة التخصص(الطبيب المقيم) وزمالة التخصص الدقيق.
وهؤلاء هم روح الفريق وعماده. كما أنهم يختلفون في رتبهم ومهامهم بين متدرب متقدم ينوب عن الاستشاري ويشاركه القرارات، ومتوسط، ومبتدئ حديث الانخراط في البرنامج التدريبي لا يختلف كثيرا عن طبيب الامتياز خبرة، ولكن يلقى اليه بمهام ومسؤوليات أكبر.
ويهمك في علاقتك معهم عدة أمور:
١- معرفة مراتبهم ومرجعياتهم في كل فريق، فالR3 قد يكون قائدا في فريق ولا يكون كذلك في آخر، وطبيب زمالة التخصص الدقيق تختلف صلاحياته وقد يكون او لا يكون ذا علاقة مباشرة بطبيب الامتياز.
٢- على طبيب الامتياز أن يعي بأن مهامه في الفريق تابعة لمسؤوليات ومهام الأطباء المتدربين، وأنه جزء فاعل في الفريق وليس منفصلا عنهم، فمهم جدا أن يجعلهم مرجعه الأساس في العمل، ويشاورهم في ما يخص المريض، ويخبرهم عن حالة المريض والتحديثات بشكل مستمر. وأن لا يرفض المشاركة في رعاية المريض. ومن الجيد استغلال تواجد مجموعات الواتس أب أو غيرها للتواصل مع الفريق وإرسال التحديثات.
٣- العلاقة بين الطبيب المقيم وطبيب الامتياز معقدة، فرغم وحود فارق بسيط في السن إلا أن فارق الخبرة كبير وله اعتبار هام في الوسط الطبي، فربما تكون والطبيبَ المقيمَ صديقين عزيزين ليس بينكما كُلفةٌ خارج أسوار المستشفى، لكن داخله يكون متقدما عليك بسنة أو أكثر، والمسؤوليات الملقاة عليه أكبر بكثير. ولهذا راع عدة أمور:

  • أولا : علاقتك بالطبيب المتدرب داخل المستشفى قائمة بشكل أساسي على الاحترام المتبادل، واحترام فارق الخبرة والتجربة، وأن مسؤوليته أكبر وأهم من مسؤوليتك.
  • ثانيا: هذا لا يعني أن العلاقة يجب أن تكون رسمية ومتكلفة، بل كن مرحا خفيف الظل ولا تجعلهم في بروج عاجية بعيدة المنال فأكثرهم يكره ذلك، ولأنك كلما ابتعدت ووضعت حواجز يبتعدون وكلما جفلت يجفلون. وفِي المقابل كلما كنت أكثر توددا ولطافة قبلوك فيما بينهم صديقا وأخا، وما أكثر العلاقات الطيبة التي استمرت بعد الامتياز.
  • ثالثا: في حال وجود أي اختلاف، فالمرجع هو الترتيب الطبي، وإن طلب منك ما لم تقتنع به أو رأيته ضارا بمريضك فلا بأس من المراجعة، بل وأحيانا اللجوء لمن هو أعلى منه في سلم القرار إذا لم تجد جوابا شافيا.


٤- ستلاحظ من قلة من الأطباء المتدربين أساليب غريبة في التعامل، فبعضهم يعامل من هم دونه بأسلوب فرض السيطرة والقوة، وبعضهم يرى العلاقة بينك وبينه علاقة تنافس لا تكامل، فيتضايق من تميزك ويحاول أن يظهر نفسه أفضل منك، وغير ذلك من الصفات الغريبة… وهذا وإن لم يكن الغالب فإنه موجود ومعروف، والتعامل مع هؤلاء بسيط جدا

 

  • قم بما عليك من المهام دون تقصير، وليكن دأبك أن لا يتغير مدى اهتمامك بالمريض -قدر المستطاع- مهما تغيرت ظروف فريق العمل ومدى ارتياحك معهم.
  • لا تسمح لأحد بأن يطلب منك ما هو فوق طاقتك خصوصا إن كان ذلك خارج إطار ساعات العمل، كن واضحا وصادقا في التعبير عما يمكن أو لا يمكنك القيام بِه.
  • تغافل… تغافل … تغافل … فأحد أسهل أساليب الرد والتغلب على هؤلاء عدم الالتفات لتفاهاتهم وأساليبهم الطفولية. وصدقني بأن سيئي التعامل معروفون في أوساطهم، وتعاملك معهم بمهنية يرفع من أسهمك بشكل كبير جدا.
  • فِي حال تجاوز الموضوع حد التحمل، وكانت هناك إساءة خارج إطار الاحترام المهني، فعليك بأخذ الأسلوب والطريقة النظامية في رفع اعتراضك للفريق ومن ثم الجهة المسؤولة في حال عدم تجاوب فريق العمل معك. لا تأخذ حقك بيدك، وإياك والفجور في الخصومة، فالمستشفى مكان يجب احترامه ورفعه عن الخلافات الشخصية.وكم من مظلوم أضاع حقه بردات فعله غير المسؤولة وقد شهدت وشاهدت مواقف عدة من هذا القبيل، فتمالك أعصابك واسلك الطريق النظامية فهذا يعطيك مصداقية أكبر ويجعل موقفك أقوى.


٥- استغل تواجد الأطباء المقيمين الدائم في الفريق والخلطة المستمرة بهم في تعلم ما يمكنك تعلمه منهم خلال الفترة التي تقضيها معهم. كم وكم من الأفكار والمعلومات التي تعلمناها في سنوات الكلية ما أدركنا معناها الحقيقي وأثرها على رعاية المريض إلا بعد أن شرحها لنا الأطباء المقيمون. خذ مثالا على ذلك مهارات كالABG ، والخياطة الجراحية، فلن يعلمك إياها أحد أفضل من الأطباء المقيمين، ومثال آخر؛ المضادات الحيوية إذ لم تنفك عقدتها بالنسبة لي إلا بعد أن شرحها لي أخوان كريمان من الأطباء المقيمين بقسم الباطنة!

في الخلاصة: تعامل مع الأطباء المقيمين في الفريق الطبي كأنك أحدهم، واعمل بجد وأد الدور الذي عليك، وكن أريحيا خفيف الظل وستجد منهم كل التجاوب وحسن التعامل إلا ممن شذ، والشاذ لا حكم له!

أما الصنف الثالث، وهم أطباء الامتياز المتواجدون معك في الفريق، فهم زملاؤك وأقرانك، احرص على التعاون معهم، ولا بأس بالمنافسة الشريفة الخالية من الحسد والحقد والضغينة.
احرص وإياهم على التفاهم والمرونة، ولا يكن تواجدك بينهم ثقيلا.

أما إن تحدثنا عن الصنف الرابع ، فهم الجنود المجهولون العاملون في الظل، ممن لا يلقي لهم الكثير بالا، لكن بإمكانهم أن يكونوا سندا عظيما لك وعونا بعد الله في طريق التميز، أو وبالا ووخيمة!
وهم موظفو الخدمات المساندة، وعلى رأسهم طاقم التمريض! نعم التمريض، ذوي الأزياء البيضاء والوجوه الباسمة واليد الحانية على المريض.
لا تغتر ببساطتهم وهدوءهم في التعامل، فهم أخبر الناس وأعلمهم بالجناح والمرضى المنومين فيه، بل والفريق الطبي الذي ستعمل معه. ورأي الممرضات في الجناح له وجاهة وتقدير لدى الأطباء كافة، فانتبه أن تكون بينك وبين أحدهم ضغينة أو مشكلة، فلا يدرك دور الممرض الجيد الحريص إلا من فقده! وشهادة الممرض/ة مقدمة على كل قول في عرف المجتمع الطبي.
كما أنهم لا ينتظرون منك الكثير؛ كلمة طيبة، ووجه باسم، وسؤال لطيف وشكر مؤدب إن حصلت منهم على خدمة.

دعك من كراتين الدونات، وأكواب القهوة، فهي لا تساوي شيئا عندهم في مقابل تعامل طيب وإقامة لهم في مقامهم الصحيح.
أفضل أطباء الامتيازهم من يرحل عن الجناح فيفتقده جهاز التمريض..
ومن أعظم دواعي الفخر، في نظري القاصر، حينما تقول لك رئيسة تمريض الجناح في آخر يوم -ولم يعد بينك وبينها أي مصلحة-: أنت طبيب جيد ، حافظ على ما أنت عليه من خلق واهتمام
‏”You’re a good doctor keep up your nice work and kind personality”

نقطة مهمة أيضا سمعتها مرارا من ذوي الخبرة من الأطباء، أَن لا تهمل يوما إيحاءات ورأي ممرضة غير مرتاحة لوضع المريض الصحي. لطاقم التمريض حاسة سادسة لا يشاركهم فيها الأطباء ولا يعرف قيمتها إلا من أهملها يوما فرأى عاقبة إهماله على مريضه كفانا الله وإياكم شر ذلك!

أما خامس الأصناف وأكثرها أهمية ومحور الرعاية الطبية فهم المريض وأهله.
وعلاقة طبيب الامتياز بالمريض علاقة خاصة جدا، فهو وإن كان غير معنيٍ باتخاذ القرارات الحاسمة بل قد لا يكون له دور فيها أصلا، لكنه الحلقة الأهم في التواصل بين المريض والفريق الطبي. طبيب الامتياز يفترض أن يكون الأكثر تواجدا من الفريق الطبي مع المريض، بل قد يغير انطباع المريض بشكل كامل عن مستوى الرعاية الصحية المقدمة له..

ولي مع عناية طبيب الامتياز بالمريض وقفات ..
١- لا تهمل يوما أن تمر على مريضك مرتين على الأقل، في الصباح قبل الراوند، وفِي الظهر/المساء قبل رحيلك من المستشفى. أما مرور الصباح فقد بينته في نقطة سابقة، وأما مرور المساء فأراه مهملا من كثير من الزملاء رغم ما له من الأهمية لعدة أسباب:

 

  • أولها أن المريض في الصباح -خصوصا في دورات الجراحة حيث يَلْزَمُك المرور عليه في وقت مبكّر جدا- يكون في الغالب نائما أو بين اليقظة والمنام. فلا تجده يتواصل معك برغبة وانتباه.
  • ثانيها أن المرور الصباحي غالبا يكتنفه الاستعجال من أجل التحضير للراوند، فلا يعطي الطبيب للمريض فرصته الكاملة في طرح الاستفسارات، ولنكن واقعيين فما أكثر ما يقال لمريض “أبشر برجع لك بعد ما أمر على باقي المرضى وأتطمن عليهم” !
  • ثالثها أن غالب الإجراءات الطبية تجرى للمريض خلال فترة ما بعد الراوند، فلا يعلم نتائجها/أثرها إلا بعد ذلك خلال اليوم.
  • وهنا أذكر جملة علمنيها أحد الأطباء المقيمين الذين عملت معهم في مرحلة سابقة ولن أترجمها فترجمتي ستذهب جمالها
    You may do a 1000 nonsignificant closing rounds just for that one time you pick up an incidence that could significantly change the patient’s course.
  • أخيرا وأهم مما سبق كله أن المريض غالبا يجد الطبيب أكثر أريحية وأوسع وقتا في آخر الدوام إذا أنهى كافة مهامه الأخرى فيسأله ويناقشه على سعة من أمره.  


٢- كن مستمعا جيدا: لا تدري ما قد يكون الدافع وراء عدم ارتياح المريض لأي أمر سواء كان إجراء أو خطة علاجية أو غيره. احرص على التأكد دائما من أن المريض على علم ودراية كافيين بالخطة العلاجية.
فأرعِ سمعك لمريضك، ودعه يجد في الحديث معك حرية لا يجدها مع غيرك من الطاقم الطبي، وتذكر أن المريض في حالة ضعف وقلة حيلة، والطاقم الطبي يعتني غالبا بعدد كبير من المرضى فلا يتسنى لهم الجلوس مع كل مريض وقتا كافيا.
لا أنسى ذلك المريض الذي كاد يرفض أحد الإجراءات المهمة في علاجه لأن حديثنا له صباحا لم يكن مقنعا ولا شافيا، وفوجئنا ظهرا بأن المريض رفض الإجراء رغم موافقته المسبقة، فجلست معه وسألته عن سبب رفضه وإذا به لم يجد شرحنا صباحا له كافيا، فلما استعان بآراء من حوله من غير الأطباء، واستعان بالإنترنت غير موقفه. فأعدت بالتفصيل شرح هدف الإجراء وفوائده ومخاطره والمفاضلة بينهما، وأجبت على ما أعرف جوابه من أسئلته وأحلت البقية على زملائي في الفريق، فتغير موقفه تماما من الرفض إلى الإقبال عن قناعة ورغبة. كما لا أنسى مريضا آخر كان في حالة حزن شديد في الصباح الذي تلى عمليته الجراحية، وكانت إجابات الأطباء المقيمين على أسئلته مقتضبة مختصرة بسبب ضغط العمل ذلك اليوم وذهاب بعضهم لما أظنه دورة تدريبية-لا أذكر بدقة-، فرأيت عدم الارتياح باديا على وجهه، وصممت على العودة إليه لاحقا، فإذا بكل همومه تنصب نحو عَرَض واحد من أعراض العملية معروف طبيا أنه سرعان ما يتعافى منه بشكل شبه تام بتأثير الوقت والعلاج الطبيعي، فلا تسأل كيف كانت فرحته وأنسه بمعرفة ذلك! وأنا هنا لا ألوم الطبيب المقيم في قلة الوقت الذي يعطيه للمريض فعدد كبير من المرضى بانتظاره كلٌ له استفساره وسؤاله، لكن يبرز هنا دور طبيب الامتياز كجزء من الفريق ليسد هذه الثغرة ويكمّل عمل زملاءه.


٣- اهتم لمريضك، تعاطف معه ولكن إياك وطغيان المشاعر، فهي تحجب النظر وتؤثر على الحكم، وتتنقل بمشاكلك من المستشفى معك إلى منزلك ومُستراحك. طيب التعامل وكثرة التفقد لا يعنيان بالضرورة أن ترتبط عاطفيا بالمريض وحالته، بل اعرف يقينا أن هذا الارتباط العاطفي -إن حصل- ليس من مصلحة المريض ولا مصلحتك الشخصية.

أسعد لحظات الأطباء ورسالة إلى الفريق الطبي، المريض وأهله

أخيرا ..

وبعيدا عن الحديث عن الفريق الطبي، فإن سنة الامتياز مكتظة بالكثير من المهام، والاختبارات والتقديمات. فكن منظما مرتبا، وخطط لسنتك بشكل جيد جدا موازنا بين مهامك اليومية كطبيب، ومذاكرتك لاختبارات الرخصة والتزاماتك الاجتماعية.

وَمِمَّا يحسن التنبيه إليه أن تسعى جهدك في ترتيب ال rotations واختبارات الرخصة بحيث لا يوافق اختبارك أو فترة المقابلات أحد الrotations الهامة بالنسبة لك، لأن في ذلك تشتيتا للذهن والجهد، وأنت أكثر ما تحتاج إليهما سواء كنت تعد لاختبارك، أو كنت تعمل في تخصص ومكان ترغب بالعمل فيه مستقبلا.

ولن أتطرق لتفاصيل أكثر في هذا الباب لأنه يطول، ولأن كل إنسان متميز بنفسه وقدراته، وما يصلح لشخص قد لا يصلح لآخر، فأفضل طريقة للتخطيط للامتياز هي النظر للرغبة الشخصية ومشاورة الأصدقاء والزملاء المقربين ممن سبقوك، بشكل شخصي. واطمأن، فأكثرنا ينهي سنة الامتياز وما حقق أكثر أهدافه ولا سار بشكل كامل على نحو ما يريد في ترتيباته، فهون على نفسك وطب خاطرا.

 

ختاما..

ها هو باب من الخير قد فتح لكم، ومشوار قد تهيأ، فأحسنوا النوايا، وأخلصوا الجهود، واستعينوا بالله على سَنَتِكم. كونوا إخوة متحابين، وركزوا على أهدافكم جيدا وستحققون بإذن الله ما تطمحون إليه وزيادة.

وتذكروا أن إخوتكم وزملاءكم دائما موجودون لمساعدتكم وقلوبهم مشرعة لأسئلتكم واستفساراتكم… والخبرة تختصر عليك آلاف التجارب.

 

وفقكم الله وسدد على الخير خطاكم، وأعانكم على خدمة مرضاكم على الوجه الذي يرضيه. ونفرح وإياكم قريبا إن شاء الله بقبول كل منكم في المجال الذي أراده ودأب عليه.

شكرا جزيلا للزملاء على مراجعاتهم وملاحظاتهم وإضافتهم الجميلة :
د.شهد الرويشد (R3 Medicine )
د.أحمد باشميل (R4 Medicine )
د.محمد الغماس Upcoming R1 Medicine
د. ندى العودة Upcoming R1 Otolaryngology
د.حمزة ناحي Upcoming R1 pediatric
د.أسامة الصغير Upcoming R1 Medicine
د.أسماء المهيزع Upcoming R1 Opthalmology
د.معاذ الصبيح Upcoming R1 Otolaryngolgoy
د.أحمد ال حسين  Intern
د.عبدالعزيز المسعود Intern
د.أمجاد الباتلي Intern

كتابة: د. فهد الظاهري

لكتابة مقالك في مدونة طالب طب: مقالات الأعضاء – اكتب مقالة طبية اليوم

إشتراك
نبّهني عن

1 تعليق
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتاً
Inline Feedbacks
View all comments
تركي
3 سنوات

صياغة عظيمة للأفكار و حسن طرح ورقة عبارة وبلاغة كلمة وسلاسة في تسلسل النصائح .. على الرغم من أهمية الموضوع من الجانب العملي البحت إلا أنني سمحت لنفسي أن تستمتع وتتبحر في جمال الصياغة المحكمة لنص كان من المفترض أن يكون بعيدا عن الأدب لكن ليس لك من الأمر شيء.. فكونك طبيب لا يعني أن الأديب الذي بداخلك خلف الأسوار وهذا النص هو أحد الأدلة الدامغة على أن الأديب الذي بداخلك حر طليق لا يأبه إلا بمداعبة الكلمات.

أشكرك جزيل الشكر على هذا النص.
وسأحرص على الأخذ بنصيحتك.
جزيت خيرا.

 
Send this to a friend