طبيب يعالج طبيب

دكتور يعالج دكتور آخر!

دكتور يعالج دكتور آخر!

اسمي موضي .. في طريقي للعشرين ولا اخفيكم سرا يخيفني هذا

أن أكون عشرينية يعني ..على الأقل بالنسبة لي.. التزام وعقلية متزنة وروح سامية

الآن وأنا في آواخر الطعش جل اهتمامي ينصب في كيف انتقل للمرحلة القادمة متسلحة بأكبر قدر من المعرفة والقوة

تماما كما لو كنت أضمن بقائي للعشرين

يراودني هذا الشك باستمرار ولكن كنت آراه بعيدا أعني حد أن آراه وأؤمن به لكن دون الشعور التام أو التسليم

أملي في الحياة وتمسكي بها لا زال أكبر

لا زالت هناك أحلام لتوظب وأخرى ليتم تحقيقها

لم أكن أعرف معنى أن كل شيء قابل للتغيير في طرفة عين حتى زرت مستشفى الملك فيصل التخصصي

الجناح الثالث في مركز الأورام .. الغرفة آخر الممر

دكتور يعالج دكتور آخر

أدرس الطب.. أحبه .. مستعدة لأن أهبه روحي

لكن لم أعرف أبدا هيبة موقف الطبيب ومسوؤليته كما ذاك اليوم

الدكتور الحنون يسرق من أسمه معانيه

عينان متقدة وقلب لطف وضمير حي

طبيب يعيي أن الطب إنسانبة

يواسي مريضه ببالغ الاحترام ويتعامل معه بأتم أشكال الحرفية

…………

بعد الحاح طويل ومحاولات عدة وافق عم أبو حمزة على أخذه معه وقت إجراء الخزعة العظمية

كان يرفض خوفا منه أن اسقط لعدم احتمالي.. فهو يصر جدا على أن العملية بحق مؤلمة

نعم.. تسلل الخوف قليلا ولكن قلت وباصرار لا يعلم كذبه إلا أنا .. أنا قوية و ..جدعة يا عم ..  بس خذني معاك

قضينا مسافة طويلة نمشي ولم نمر بأحد إلا والقى التحية على الرجل اللطيف بجانبي

وان كنت بدأت مشواري بخوف عارم فلطافة الرجل الذي يمثل الشعب المصري خير تمثيل كانت كافية لتشعرني بالآمان وتجعلني أشعر بقوة حقيقية ..

وما لبثت هذه القوة الا ان تضاءلت حين دخلت الجناح وأنا اشتم راائحة موت فعلية

هذه الرائحة التي لطالما سمعت عنها .. لم أعرف مدى واقعيتها إلا ذلك اليوم ..

تلك اللحظة التي وددت فعلا فيها لو أن لي أن أخرق الجدار امامي وأختبيء فيه

يا الله يا لرهبة الموقف

هنا انت تدرك بالعقل وتشهد حواسك على معنى ألم

ألم للحد الذي يتجاوز كل صوت

هنا ترى الأمل يطرق برأسه خجلانا

هنا حيث الابتسامات تستحثك على البكاء

التفت علي مشجعا أن هيا حان الوقت

مضينا للغرفة الأخيرة على يسار الممر … غرفة لا تشبه الضجيج وراءها وكأنها تؤكد على استثنائية الرجل داخلها

دخلت

يقف أمامي 3 رجال كلهم بطول فارع

أحدهم عيناه جد حريصة ومتقدة

والآخر تخبيء وجلها ولا تستطيع اخفاء حبها

أما العين الأخيرة .. صدق أو لا .. لا أستطيع وصفها الآن لأني لم أملك الجرأة أن آراها

ولكن استطيع أن أؤكد لك أن تلك العينين لابد صبورة  شامخة ويملؤها اليقين

د.هـ أعياه المرض وما كان لأطرافه إلا أن ترتجف دون رأي منه ولا أمر

كما طير

حُرم السماء .. وقهرا أضطر للأرض

بدأ الدكتور بإجراء العملية بعد أخذ الأذن مرارا وتكرار واعادة شرح كل الخطوات

الأمر تم بحرفية عالىة

طاولتان مصفوفتان واحدة تلي الأخرى

على الأولى علبة بلاستيكية تحتها قطعة بيضاء تحوي ابرة اعرض لابد من اغلب الابر التي رأيتها بحياتك

طولها .. بطول كفك أو اطول

بدأت تغرز في جسد المريض كما لو كانت مسمارا يثبت بجدار

تدفق الدم بحرارة تعبر عن جوف المريض المصطلي

وبدأ العم الخبير بتوزيعه على الشرائح المخبرية بدقة وسرعة عالية

وما كان لي من هذا الا المشاهدة وابتلاع غصاات المريض الذي اتفق الجميع على صبره ورحابة صدره

….

كان من الصعب على الطبيب اخراج العينة من صلب العظم ولم يكن للمريض الذي يرتجف ألما إلا أن يداعبه ممازحا

لا بد أن عظمي قويا

رد الدكتور بإيمان ظريف هو لا بد قوي كما أنت .. سنتصر على هذه المرحلة وتعود لسابق عهدك وهو يضغط على يديه بشدة .. كما لو كانت معبر تواصل ما بين قلبه وقلبه

العهد الذي لا أعرفه ولكن رأيته جليا في أشد مراحل ضعفه

الدروس التي نتداولها طول العمر .. باتت تطبيقا الزمنا به لأننا نحن الكرماء

الرجل الذي رأيت صموده كان كما لو أننه دون الحياة بيديه واكتفى بأن يكتب على جبينه

صابر

تلك القوة والروح دكت اجزاء قوتي المتهالكة .. اجبرتني على سكب دمعات كنت أسال الله ألا ترى

بدأت اتمتم هامسة يا ابي أنت قوي يا أبي سوف تنجوا

وددت لو أن لي أكثر .. حتى لو زيارة

ولكن خرجت من الغرفة .. أؤمن اني نسيت شيئا مني هناك وأخذت أشياء أخرى

 

دكتور يعالج دكتور آخر

كتبه: د. موضي

لكتابة مقالك: اضغط هنا

إشتراك
نبّهني عن

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
 
Send this to a friend