الإرث الجامعي الخربوطي

الإرث الجامعي “الخربوطي”

الإرث الجامعي “الخربوطي” ليته لم يكن كذلك و لكن لنلقي نظرة على هذا الواقع. عندما نشرتُ مذكرةً في الفحص السريري قبل أعوام ليست من صنعي و لم أشترك في جهد كتابتها حتى, أصبحت تُعرف بمذكرة سايلنت و أخذت ضجة كبيرة لم أتوقعها, انتشرتْ كما النار في الهشيم بين طلاب و طالبات الطب بشكل لم أتصوره أبداً و لم يكن غايتي من الأساس. استغربتُ حينما مررت بمجموعة من زميلاتي و سألوني أين نجد كذا و كذا في المذكرة؟ من المؤكد أنها مزروعة حرفاً حرفاً في رأسك ! لم يصدقنَ عندما قلتُ لهن أني لم أقرأها كاملة و لذلك لا أعلم بالضبط..
عندما تخرجت توقعت أن تنتهي ضجتها مع آخر خطواتي بالجامعة و لكني أراها في ازدياد. حتى نقل لي أحد الطلاب امتعاض طبيب و أستاذ بالجامعة من تمسك الطلاب الشديد بهذه المذكرة و حرصهم على المذاكرة منها بعد أن هجروا الكتب المعروفة و المقررة لمذاكرة الباطنة و ذلك عندما سألهم من أي كتاب تذاكرون فحص الجهاز العصبي! و الذي عبرَّ عن امتعاضه أيضاً على صفحتي بتويتر و قد أسمى المذكرة خزعبلات !عندها و بأسف شديد أدركتُ أنها انضمت إلى أوراق كريري و ملخصات تسالي و عـمنا “تالي” ..أو كما أحب أن أسميه “الإرث الجامعي الخربوطي” .. صندوق أسود من النصائح المتوارثة و التي هي في الحقيقة فخ لكل طالب لا يمسك غربالاً كبيراً بكلتا يديه أمام باب مستقبله, يتقبل أي شيء من أي أحد و لا يخطر على باله حتى أن يتساءل من أين و لماذا..ثقة عمياء و أخرى مهزوزة.. ككثير من التقاليد التي يُكتب لها الخلود تذكرني بقصة الإمرأة التي تعودت أن تتخلص من رأس السمكة و ذيلها قبل طهيها و عندما سألتها إحداهن عن السبب قالت لا أعلم و لكن أمي كانت تفعل هذا , و عندما سألت أمها وجدت أنها لا تعلم أيضاً لأن أمها هي الأخرى كانت تفعل ذات الشيء .. أجيال تتوارث الجهل و إرث كبير تحدثتُ عن أجزاء متفرقة منه كموضوع البضاعة السوداء و كيف تنتقي كتاب و هنا و هناك بين إجاباتي على أسئلتكم. لازلت أذكر صديقة تسبقني بسنة شهدت أول لقاء بيني و بين كتاب “تالي” و أنا في السنة الثالثة بالكلية ..و بدون أن أسألها قالت لي بعد تنهيدة متعبة : (هذا لازم ينحفظ عن ظهر قلب من الجلدة للجلدة) .. سألتها و لماذا؟ سكتت قليلاً ثم قالت : هكذا و حسب.. هو الباطنة و الباطنة هو. سألتُ نفسي ألم ينشروا في العالم كتاباً غيره يشرح الفحص السريري؟ ما المميز فيه بالضبط؟ قرأتُ منه فحص الثدي لمحاضرة كنت سألقيها في علم الأمراض فنبتت جذور كرهي له قبل أن أُطالب بقراءته ! و لكني أيضاً و بلا فخر أقولها “وقعتُ في فخ الإرث الجامعي” .. اشتريته في السنة الرابعة لكن أشجار كرهي له التفت حول رقبتي قبل الامتحان الفصلي بأسابيع.. خلعتُه في ليلة قمراء و لم أنتظر السَراح الجميل .. قرأتُ كتاباً غيره و كلما اقترب يوم الامتحان ازداد عدد زميلاتي الممسكات بأوراق متشابهة يبدو أنها من ذهب! صاحتْ بي إحداهن: ( لا تعرفين ملخصات “كريري” ؟)  سألتُها مازحة: لاعب كرة القدم؟ نظرتْ إليَّ نظرة الشفقة و الأسى فقد أحمل المادة سنة بعد سنة و قد فاتني هذا الإرث الأسطوري.. تصفحتُها أبحث عن ذلك السحر .. و تلك التعويذة التي أسرت عقول الجميع .. لم أجد شيئاً. . بعد الامتحان الذي لا أجد كلمة لوصفه حقيقة . . طلبت مني صديقتي أن أرافقها لنذهب إلى أحد أساتذتنا و نسأله عن جواب سؤال في الامتحان شيَّب رأسها. وقفتُ أمام أستاذنا صامتة لأن ضجتها تكفي و غضبها أخافهُ و استغربته أنا بدوري. قالت له و قد قبضت كفيها تكاد أن تنفجر : دكتور , أنا حفظتُ تالي حرفاً حرفاً لم أجد فيه كلمة
Halitosis
ضحك باستحياء و بقليل من السخرية ربما ثم سألني هل عرفتي إجابة هذا السؤال؟ قلت له نعم كذا و كذا .. قال من أين ذاكرتي؟ قلتُ كتاب ماكلويد و كثير من الأسئلة قرأتُ إجاباتها في هذا الكتاب فلماذا تقترحون علينا كتاب تالي فقط؟ لم يقل شيئاً ..بل دعا لنا بالتوفيق و انصرف بهدوء. بكل حرفية حول غضبها إليَّ أنا.. لم تصدق حتى رأت هذه الكلمة  بأم عينها و قد توهجت بالأصفر في كتابي العجيب, لم يُرِد أن يواجهها بحقيقة أننا غير ملزومات بكتاب معين إذا وجدنا ما يناسبنا في غيره , فقد أخذت إرثها من فمه مباشرة في محاضرة التعريف بالمادة في بداية الترم! إرث فيه من الكلمة أعلاه الكثير و مما تشمئز منه النفوس. فلماذا يستمر الصندوق الأسود بالتضخم سنة بعد سنة ؟ أهي قضية مجتمع و عقول تعودت أن تُقاد و لا تقود؟ أم لأن  كثير من أساتذتنا الأفاضل هم من خريجي نفس الجامعة و ليس تحدي هذا الإرث من أجندتهم؟ كثيراً ما أردد “انتقاء الكتب فن من الفنون” و لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.

إشتراك
نبّهني عن

1 تعليق
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتاً
Inline Feedbacks
View all comments
البستاني
8 سنوات

أعجبتني كلمة “الخربوطي”. :)
فعلا المعلومة ليست محصوره على كتاب واحد.

 
Send this to a friend