طبيب اطفال

طبيب اطفال

طبيب اطفال

اسمي ثامر ابلغ من العمر 40 عاما طويل جدا .. للحد المخجل والعالم كله تحت ناظري

دائما ما ادس يدي بشعري الكثيف وتختبيء عيني خلف نظارة هي أوفى الأصدقاء لي

طبيب اطفال حلمه أن يعيش الطفولة ..أجبر كسورهم وجل ما أخشى كسور قلوبهم التي لا تجبر

كل مرضاي لهم شيء في داخلي

حياتي لم تكن في أي من عمري السابق ذات معنى كما الآن

كبرت كطفل وحيد تظله الصراعات من كل جانب

ثم كشاب مختلف طويل هزيل ويحب القراءة في مجتمع لا يعرف ما يعني كتاب

ولا اعرف لماذا توقفت عن القراءة ذات يوم بزعم مني اني اصبح أطول كلما قرأت

ويبدوا اني في تلك الفترة كنت طويل كالنخلة بعقل صخلة

لا أعود للبيت إلا حين ينتصف الليل ماضيا معظم وقتي مع أطفال الحالة ألاعبهم ويزيحون همي .. على الأقل فترة بقائي معهم

تخرجت من الثانوية وتركت حينا بعد ان ودعت ألأطفال .. أطفال قلبي

ومضيت كل خطوة تؤكد على الأخرى بأن لا تعود

مضيت تاركا خلفي هم وحنين لم يخفت منذ ذلك اليوم

تلك الأوجه البريئة رافقتني لتبعث لي القوة من حيث لا أعلم

كما لو أن أرواحهم ذا قدرة خارقة تبعث لي شعاعهم حتى لو كنت في أقصى الأرض وهم في أدناها

أولئك الأطفال .. فقط هم من كانوا ينادونني دائما دكتور وقد يؤذون انفسهم عمدا لأعالجهم

ولست في الحقيقة أفعل شيء سوى تقبيل جروحهم ولطالما أكدوا على شفائهم بسرعة هائلة مع قبلة جيين شاكرة

وقبلاتهم كانت للقلب ليست عابرة وانما بلسم وشفاء

وهم لا أنا كانوا الطب الحقيقي لروحي

مضيت لأجل حلمي الذي كان لن يكون واقع لولا شغبهم واصرارهم ولطفهم

..

طفلي نواف بعد أن كان لا يستطيع المشي جائني راكضا ويا لفرحتي التي غلبت فرحته وانا ارفعه عاليا

لا يعلم هو انه حلق بقلب كاد يلتحم مع الأرض حزنا

عائلتي تدور حول مرضاي وطاقمي الطبي

نقضي طيلة النهار متحلقين حول بعضنا إما لمناقشة حالة أو لمعاينة مريض

وبين الحين والآخر نسرق الوقت لنتبادل أحوال بعضنا على عجل حتى قدوم المريض التالي

ولا اخفيكم سرا اشفق على مرضاي كثيرا للحد الذي يجعلني أبتهل لله شكرا أن تفضل علي بنعمة ورزقني رؤية بسماتهم الشاكرة

يا لبساطتهم وما أشد كرهي للفقر الذي حال بينهم وبين حياة كريمة تستحقها أرواحهم المترفة بالإنسانية

خضوعهم للأمر بدون أي نقاش يجعلني مسؤولا أكثر عن تقديم أفضل حل

وتقول لي أعيونهم .. نحن ممنونين لا تمل لا تكل

ويجيء حرص الأب العجوز تذكرة .. وحنان الأم وعيظ

..

ينتهي الأسبوع بيوم الجراحات

نبدأ من الصباح الباكر في جناح العمليات .. حيث يبدوا الكل في حركة دوؤبة لا تنتهي

هناك حيث تحايا الصباح اثناء التعقيم وملخص اليوم يقال في غرفة التبديل

ننتقل من العشوائية إلى الدقة المتناهية متاملين عظمة الخالق ويردد قلبنا .. سبحان ربي ما أعظم خلقك

كل حركة مدروسة والخلل غير مقبول البتة ..

ينتهي الأسبوع نوادع بعضنا عند الوابات والمواقف بابتسامات كبيرة وتوصيات بقضاء اجازة سعيدة

ولا تلبث هذه الابتسامة ان تذبل ما ان الج شقتي الصامتة برغم فرشها الأبيض المختار بعناية

والكتب الطبية والغير طبية مصففة بترتيب بديع

فأنا جد مهووس بالتفاصيل ولا يطفيء شغفي شيء ويرضيني جدا أن افتش في معجزة الله في تكوين خلقه

إلا ان المكان يبدوا قاتم ووحدتي تزداد شدة وأشعر بكل الأشياء مبعثرة وتتطاير

وأوبخ نفسي على غبائي وأنا أحرك راسي يمنة ويسرة كأني أقي نفسي شر ذكرى قاصفة تتجه نحوي

ثم القي براسي المثقل وبروحي المكتظة وأغرق في أحلامي

حيث أطفال وزوجة

طفل لا يكفف عن النداء ببابا

ولا طفلة تزهر في قلبي يطيب يومي حين لقاوها

واستيقظ بعين نصف مفتوحة استجدي الحلم أن يكون حقيقة

ولا أجد سوى كوب القهوة ينادي

ثم نغرق بدوامة كتب وصفحات ويب غير منتهية

ونستمر بالغرق ودائما تأتي اطواق النجاة بأطفالي .. أطفال العيادة

حيث يزرع كل واحد منهم فيني حبه ويرحل وصار قلبي كمقبرة .. خضراء لكن

واقبل رحيلهم وكل أمل بأن ثماري فيهم باقية

طبيب اطفال

كتابة: د. موضي

لكتابة مقالكم اضغط هنا

في حال إعجابكم في المقالة نرجو مشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالأسفل
إشتراك
نبّهني عن

1 تعليق
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتاً
Inline Feedbacks
View all comments
البستاني
8 سنوات

“ولا اعرف لماذا توقفت عن القراءة ذات يوم بزعم مني اني اصبح أطول كلما قرأت”

كطفل حتى في تفكيره :), صياغه جميلة.

 
Send this to a friend